سورة النساء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)} [النساء: 4/ 1].
في هذه الآية تنبيه واضح على وجود الإله الخالق الصانع المدبر المتقن، وعلى افتتاح الوجود الإنساني بخلق العالم في الأصل من نفس واحدة هي آدم عليه السلام أبو البشر الذي خلقه اللّه وسوّاه بيديه وقدرته من طين، ونفخ فيه من روحه، فكان إنسانا كامل الخلقة والتكوين. ثم خلق اللّه تعالى حواء من جنس آدم في الطبيعة والتركيب، والبنية والغريزة، والأخلاق والصفات المتشابهة.
ومن أجل الحفاظ على الوحدة الإنسانية بين جميع البشر، أمر اللّه تعالى وأوصى عباده أن يتعاونوا ويتضامنوا ويتراحموا، فهم متجاورون في العيش، شركاء في الانتفاع بثمرات وخير هذا العالم كله السماوي منه والأرضي ويكون التعاون بالقيام بالواجبات واحترام حقوق الآخرين، وهذا المعنى هو المعبر عنه في الاصطلاح القرآني بالتقوى: وهي امتثال الأوامر واجتناب المنهيات في كل ماله صلة وثقى بالله وحده لا شريك له، أو بالنفس البشرية، أو بحقوق العباد الآخرين، ويؤكد النص القرآني الأمر بالتقوى بما يحمل على الامتثال بذكر الربوبية المضافة إلى المخاطبين، فالله هو رب الجميع الذي ربّاهم بنعمه، وأفاض عليهم من إحسانه، وأمدهم بكل وسائل الحياة العزيزة الكريمة، وذكّرهم بأنهم من أصل واحد، كلهم لآدم وآدم من تراب، وأنه خلق من تلك النفس الأولى زوجها، وتناسل منهما البشر والنوع الإنساني ذكورا وإناثا، وجعل من تلك الذرية خلية أصغر ووحدة أضيق وهي رابطة الأسرة القائمة على الرحم الواحدة، وصلة الدم والقرابة، مما يدعوهم إلى التراحم والتعاون. وكل ذلك دليل على القدرة الإلهية الباهرة التي تستوجب وتتطلب التقوى من أجل الحفاظ على علاقات البشر الطيبة في المستوى الثنائي والجماعي.
وأكد اللّه تعالى الأمر بتقوى اللّه لتحسين العلاقات الإنسانية من جانبين:
الجانب الأول: الإحسان الفطري العميق في كل نفس وإن كانت كافرة غير مؤمنة-
الإحساس بتعظيم اللّه جل جلاله، وشعوره الذاتي بأن اللّه وحده هو الذي ينقذه في أثناء تعرضه للمحن والشدائد، أو عند تعرضه للمصائب والكوارث، فيقول الواحد لأخيه الإنسان: أسألك بالله أن تفعل كذا، وأسألك بإيمانك وتعظيمك له أن تقوم بكذا.
والجانب الثاني: تقوية بنية الأسرة وصلة الرحم بتذكير الناس بضرورة صلة الأرحام بالمودة والإحسان، وتجنب قطع العلاقات الأسرية، وتأكيد المحبة والتواصل فيما بين أبناء الأسرة الواحدة، وقد أخبر اللّه بأن الناس بإحساسهم الداخلي الذاتي يتساءلون بالأرحام، فيقول الواحد لقريبه: أسألك بما بيننا من قرابة أن تفعل كذا.
ثم ختم اللّه تعالى الآية بخاتمة رائعة تدل على وجوب تذكر وحدة الإنسانية ووحدة الأسرة بأن اللّه تعالى مطلع على كل شيء من أعمالنا، رقيب حفيظ لكل عمل وحال، وأنه سبحانه لا يشرع لنا إلا ما فيه حفظنا ومصلحتنا، وهو الخبير بنا، البصير بأحوالنا.
حقوق الأيتام وتعدد الزوجات في الإسلام:
الإسلام دين العفة والطهر، وهو أيضا دين العدل والحق، فكما أن هذا الدين يحرص على نقاوة المجتمع وطهر الرجل والمرأة من الفواحش والعلاقات غير المشروعة، كذلك هو أيضا يحرص على إقامة صرح العدالة في العلاقات الاجتماعية، ويقاوم الظلم ويحرم الجور لأن بالظلم خراب المدنيات ودمار الأمم، وبالعدل يتحقق الاستقرار والاطمئنان، فبالعدل قامت السماوات والأرض، وبالعفة والطهر والتخلص من الفواحش يصفوا المجتمع، وتتجانس الطبائع، ويتعاون الجميع على أسس واضحة لا نشاز فيها ولا شذوذ.
ومن أهم مظاهر العدل: إيتاء اليتامى حقوقهم، والتسوية والعدالة في معاملة الزوجات، أما الأول فقد أمر اللّه تعالى به في قوله:


{وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2)} [النساء: 4/ 2].
أي أعطوا أيها الأولياء والأوصياء اليتامى أموالهم وأدوا حقوقهم إذا بلغوا سن الرشد. (واليتيم: من فقد أباه دون البلوغ). ولا تأخذوا الطيب من أموال اليتامى، وتضعوا مكانه الخبيث من أموالكم، ولا تأخذوا أموالهم لتضموها إلى أموالكم، إن ذلك الفعل إثم عظيم.
نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم، طلب المال، فمنعه عمه، فترافعا إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية.
ومشروعية تعدد الزوجات للضرورة أو الحاجة في الإسلام يقصد به تحقيق أمرين:
أولهما: تحقيق رغبة بعض الناس من طريق الحلال، وإبعادهم عن سلوك طرق الحرام، فبدلا من وجود ظاهرة الفاحشة أو الزنا، أوجد الإسلام البديل وهو تعدد الزوجات.
والأمر الثاني: هو أن نظام التعدد مرتبط ارتباطا جذريا بمراعاة العدل المطلق في معاملة الزوجات، فلا يقبل شرعا وجود التعدد من غير عدل في المعاملة بين الزوجات.
ومن هنا ربط الشرع بين إباحة تعدد الزوجات وبين ضرورة الترفع عن الظلم الذي يلحقه الأولياء أو الأوصياء بالبنات اليتامى، فقال اللّه تعالى:


{وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2)} [النساء: 4/ 2].
نزلت هذه الآية في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال، فمنعه عمه، فترافعا إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية، فلما سمعها العم قال: أطعنا اللّه وأطعنا الرسول، نعوذ بالله من الحوب الكبير، أي الإثم العظيم، فدفع إليه ماله، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: من يوق شح نفسه، ورجع به هكذا، فإنه يحلّ داره، يعني جنته. فالآية إذن خطاب لأوصياء الأيتام.
وقال ابن زيد: هذه الآية والمخاطبة هي لمن كانت عادته من العرب ألا يورّث الصغير من الأولاد مع الكبير، فقيل لهم: ورّثوهم أموالهم، ولا تتركوا أيها الكبار حظوظكم حلالا طيبا، وتأخذوا الكل ظلما حراما خبيثا، فيجيء فعلكم ذلك تبديلا.
وعلى كل حال في بيان سبب النزول، تطالب هذه الآية إعطاء الأيتام حقوقهم كاملة، سواء من إرث غيرهم، أو بتسليم مالهم إليهم عند البلوغ، فيجب على الأولياء والأوصياء دفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة، ينهى عن أكلها وضمها إلى أموال الأوصياء، أيها الأوصياء إياكم أن تتمتعوا أو تنفعوا بمال اليتيم في موضع يجب أن تتمتعوا فيه بمالكم. فإنكم أخذتم من ماله، وتركتم مالكم، تكونوا قد استبدلتم الخبيث بدل الطيب، والحرام بدل الحلال، وهذا منهي عنه شرعا، وموقع في الإثم والذنب العظيم.
هذا مظهر من مظاهر رعاية اليتيم في الإسلام، وهو يدل على جانب تشريعي مهم جدا هو ألا يستغل القوي الضعيف، والكبير الصغير وأن يراقب الإنسان ربه في كل عمل، لأن اللّه تعالى سائل كل إنسان عن كل صغيرة وكبيرة.
إعطاء الضعفاء أموالهم:
المال نعمة وثروة للفرد والجماعة، فتجب المحافظة عليه وتنميته والبعد عن إهدار الثروة المالية في غير فائدة، وليس الحق في المال خاصا بصاحبه، وإنما للأمة والجماعة حق الإشراف على كيفية استعمال المال واستثماره وتنميته بالوجوه المشروعة المحققة للمصالح الخاصة والعامة، لذا لم يجز الإسلام تسليم المال لتنميته وإنفاقه لمن ليس أهلا لرعايته وحفظه، مثل السفهاء المبذرين الذين لا يحسنون التصرف في المال، والأيتام الذين تنقصهم الخبرة في إدارة المال وتشغيله واستثماره، وإنما يترك المال بيد القوّام المشرفين بمقتضى الولاية الشرعية على أحوال هؤلاء المتخلفين بسبب الطيش أو بسبب الصغر.
قال اللّه تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8